ابو جهاد ... رحلة شتاء حملتنا إلي استرجاع الخريف لغصبه
ورحلة صيف حملتنا إلي استرجاع الدم الذي اكتسى شقائق النعمان فكان (أدونيس) آخر في نيسان فبسطت له الطبيعة خضرتها إجلالا و أوراق العناب له إكراما و أزهر اللوز من كفنه الخاكي فكان اللون ذات اللون واللوز دائما اخضر .
رحل(الوزير)فكانت بداية الحكاية الطويلة ، بداية اكتشاف لسوق يعرض فيه الوطن في أسواق الأممية، وعلى جدران المزاد العلني ،
رحل الوزير ابو جهاد فكانت القضية تسجّى قرب نعشه تشتهي جسد فيه روح قائد عشق رائحة البارود فعشقه الرصاص وأبى أن يغادره دون أن يلتصق فيه ويستقر ليسري كما الدم حين يتوهج ثورة في عروقه .
أبو جهاد ...أطلق الرصاص العاشق على الاحتلال دون اختفاء أو خجل أو مواربة ، وكان هو اللغة والشريعة التي لا تختبئ وعين الحقيقة التي رأينا فيها الوطن من بعيد فجاء بنا إليه وحملنا إلي عشقه ، فأبصرته عيون الظلام والحقد فانتزعت الرغبة المقاتلة العاشقة للثورة من بين ضلوعنا .
رحل الوزير جسدا وترك الوطن يتحسّر على جسد يشتاق لمعانقته ...رحل الوزير..، وبقيت الروح تحلق على سياج الوطن كما كان جسدها على مقربة منه ... رحل الوزير..، ومازالت عيونه الصقرية ترقب الوطن وتحرس ما تبقى من سياج ممزق حوله ...رحل أبو جهاد وما زلنا نذكره ...
أبو جهاد يسكن التاريخ ولا يغادره ويسكن الذاكرة ولن يكون مجرد ذكرى
ولد القائد خليل إبراهيم محمود الوزير " أبو جهاد" في 10 تشرين أول عام 1935 في الرملة بفلسطين التي غادرها أثر حرب 1948 إلى غزة مع عائلته متزوج وله خمسة أبناء.
كرس نفسه للعمل الفلسطيني المسلح ضد العدو الصهيوني إنطلاقاً من غزة، وانتخب أميناً عاماً لإتحاد الطلبه فيها -شكل منظمة سرية كانت مسؤولة في عام 1955 عن تفجير خزان كبير للمياه قرب قرية بيت حانون
في عام 1956 درس في جامعة الإسكندرية ، ثم غادر مصر إلى السعودية للتدريس حيث أقام فيها اقل من عامْ ثم توجه إلى الكويت التي ظل فيها حتى العام 1963 خلال وجوده في الكويت تعرف على الأخ أبو عمار وشارك معه في تأسيس حركة فتح،
وتولى مسؤولية مجلة فلسطيننا التي تحولت إلى منبر لإستقطاب المنظمات الفلسطينية التي كانت متناثرة في العالم العربي
-تشرين ثاني 1963 غادر الكويت إلى الجزائر حيث تولى مسؤولية أول مكتب لحركة فتح وحصل من السلطات الجزائرية على إذن بالسماح لكوادر الحركة بالإشتراك في دورات عسكرية في الكلية الحربية في الجزائر وعلى إقامة معسكر تدريب للفلسطينيين المقيمين في الجزائر
-أقام أول إتصالات مع البلدان الإشتراكية خلال وجوده في الجزائر، وفي عام 1964 توجه برفقة الأخ أبو عمار إلى الصين التي تعهد قادتها بدعم الثورة فور إنطلاق شرارتها، ثم توجه إلى فيتنام الشمالية وكوريا الشمالية 1965 غادر الجزائر إلى دمشق حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين
-شارك في حرب 1967 بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش الصهيوني في الجليل الأعلى كان أحد قادة الدفاع عن الثورة ضد المؤامرات التي تعرضت لها في الأردن
وبين عامي 76-1982 تولى المسئولية عن القطاع الغربي في حركة فتح الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة عكف الشهيد على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة أدار العمليات ضد العدو الصهيوني إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية وكذلك المواجهات ضد العدو الصهيوني إنطلاقاُ من الأراضي اللبنانية وكذلك المواجهات مع قوات العدو وهي التي ساهمت في تعزيز موقع منظمة التحرير الفلسطينية العسكري والسياسي والدبلوماسي
-كان له الدور القيادي خلال الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 معركة الصمود في بيروت التي إستمرت 88 يوماً عام 1982 غادر بيروت مع الأخ أبو عمار إلى تونس 1984 توجه إلى عمان ورأس الجانب الفلسطيني وفي اللجنة المشتركة الأردنية-الفلسطينية لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة
-برز اسمه مجدداً أثر اندلاع الانتفاضة الجماهيرية المتجددة في وطننا المحتل كرس طفولته وشبابه وحياته من أجل قضية شعبه التي عرفه مناضلاً صلباً وقائداً فذا، كان دائماً في حالة حرب ولم يضل طريقة يوماً واستشهد ويده على الزناد عضو المجلس الوطني الفلسطيني ، عضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية،
- عضو المجلس المركز لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، مفوض شؤون الوطن المحتل، المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية
- قاد العمل العسكري داخل الوطن المحتل وأشرف شخصياً على تخطيط وتنفيذ أبرز العمليات النوعية الخاصة والتي أنزلت بالعدو المحتل خسائر جسيمة وشارك في قيادة معارك الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب والثورة في جنوب لبنان والبقاع ومخيمات شعبنا في لبنان
-في فجر السادس عشر من الشهر الرابع لعام 1988 فجعت الثورة الفلسطينيه في الوطن وفي العالم اجمع باغتيال القائد الرمز ابوجهاد
الفتحاوي الاسمر
اغتاله عناصر من الموساد الإسرائيلي في بيته في تونس حيث لم تكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجهل الدور الكبير لأبي جهاد في اندلاع الانتفاضة وتوجيهها
وقد ورد في تحليل صحافي أمريكي أن القرار بقتله يعود لكونه أحد الأوائل الذين نظموا الانتفاضة، وقد كان يجري مكالمات هاتفية مع أشخاص في الأراضي المحتلة عن طريق جنيف ، ليضلل عملية التصنت الإسرائيلي
وقد اعتبره الإسرائيليون قائداً خطراً ، فقرروا القضاء عليه قبل أن يوصل الانتفاضة إلى مرحلتها الثالثة، وهي إقامة الدولة أو الحكومة في الملتقى.
في الواقع أن القرار الإسرائيلي باغتيال أبو جهاد كان قد اتخذ منذ زمن أبعد بكثير فهو ليس من مؤسسي حركة فتح الأوائل في بداية الستينات وحسب بل ومن رواد المقاومة في غزة سنة 1956
فهو هدف إسرائيلي دائم وقد تسائل الكاتب الإسرائيلي رون بن شاي، كيف يخطئ رجل مثل أبو جهاد بالسكن قرب شاطئ البحر إلا إذا كان يعتقد أن الوضع السياسي الدولي لن يشجع للإقدام على المساس بأحد زعماء منظمة التحرير ومواجهة الانتقادات الدولية .
وقد تضافرت الجهود على أعلى المستويات في القوات المسلحة الإسرائيلية وعن اشتراك أربع قطع بحرية منها سفينة حراسة "كورفيت" corvette تحمل طائرتي هليوكبتر لاستعمالها إذا اقتضت الحاجة للنجدة ،
كما تحمل إحداهما مستشفى عائماً وقد رست القطع على مقربة من المياه الإقليمية التونسية تواكبها طائرة قيادة وطائرة أخرى للتجسس والتعقب، وقد أشرف عدد من كبار العسكريين بينهم اللواء أيهود باراك واللواء أمنون شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية على تنفيذ العملية من الجو والبحر.
وصلت فرق الكوماندوز بالزوارق المطاطية إلى شاطئ تونس وانتقلت وفق ترتيبات معده سابقاً إلى ضاحية سيدي بوسعيد، حيث يقيم أبو جهاد في دائرة متوسطة هادئة وهناك انتظرت عودته في منتصف الليل،
وقد انقسمت إلى مجموعات اختبأ بعضها بين الأشجار للحماية والمراقبة وبعد ساعة من وصول أبو جهاد تقدم الإسرائيليون في مجموعات صغيرة نحو المنزل ومحيطه فتم تفجير أبواب المدخل في مقدمة المنزل دون ضجة لاستعمالهم مواد متفجرة حديثة غير معروفة من قبل،
وفي ثوان صعدت إحدى المجموعات إلى غرفة القائد وأطلقت عليه سبعين رصاصة بكواتم الصوت أصابته منها أربعون، احتاط الإسرائيليون في إقدامهم على اغتيال القائد الفلسطيني لكل الاحتمالات ومنعاً لوصول أية غبرة قطعوا الاتصالات التليفونية بتشويش عبر أجهزة الرادار من الجو في منطقة سيدي بوسعيد خلال العملية وعادت المجموعات إلى الشاطئ حيث تركت السيارات التي استعملتها وركبت الزوارق إلى السفن المتأهبة في عرض البحر ثم عادت إلى إسرائيل في أربعة أيام وفي حراسة الطائرات الحربية،
اعتبرت إسرائيل اغتيال القائد أبو جهاد نصراً كبيراً وتشير تفاصيل العملية إلى أن الإسرائيليين قد أعدوا لها بدقة بالغة ولكنهم أخطأوا في التصويب نحو مرمى الهدف الرئيسي وهو اغتيال الانتفاضة فقد مات أبو جهاد وعاشت الانتفاضة مات القائد وعاش الرمز في كل بيت وفي كل قلب ما إن انتشر الخبر المضجع في أرض الانتفاضة حتى شهدت شوارعها في 16 نيسان / إبريل اعنف التظاهرات منذ قامت الانتفاضة .
دفن القائد الشهيد أمير الشهداء "أبو جهاد" في 20/4/1988 في دمشق فكان يوماً عربياً مشهوداً ، رفرفت فيه روح الانتفاضة وتكرس فيه الشهيد رمزاً خالداً من رموزها ، وجاء في وصف الوداع في جريدة السفير اللبنانية، "قلب العروبة النابض ضخ إلى الشوارع
أبو جهاد كان يشكل نوعاً من الإصرار على تحقيق الأهداف الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني.
ولا يخفى على أحد دوره المميز في الوحدة الوطنية…وهذه أكثر النقاط إشراقاً , رحمه الله كان نقطة إجماع والتقاء لجميع القوى الفلسطينية المختلفة ،
فما أحوجنا الآن إلى من يرعى هذه الوحدة، عبر كونه نواة للفصائل المناضلة كافة، بحيث يكون في موضع الاحترام لها،
أما الحالة الإبداعية عنده فتتمثل بالقدرة على التنبؤ عبر استقراء الماضي ودراسة الحاضر بكل جوانبه، وخير مثال على ذلك تنبؤه بالانتفاضة الفلسطينية وإعداده لدراسة حولها وحول العمل الميداني في الأرض المحتلة قبل حدوثها فعلياً بسنوات.
من أجل هذا كله… ولأنه القائل "مصير الاحتلال يتحدد على أرض فلسطين وحدها وليس على طاولة المفاوضات"
تولدت عند الإسرائيليين رغبةً ملحة بقتله، وهم الذين كانوا يعرفون أنهم سيجلسون على طاولة المفاوضات يوماً ما.
كما أن المفاوضات بحد ذاتها ليست مرفوضة، لكن كلماته " لماذا إسرائيل لا تفاوض ونحن نقاتل ؟ ولماذا تطلب إلقاء السلاح . هذا يدل على منطق استسلام وخنوع للإرادة الإسرائيلية ، وهذا لا يجوز وطنيا وثوريا " كلماته تحثنا على عدم إيقاف الكفاح رضوخاً عند إرادة الإسرائيليين من أجل السلام المبتور. وكان يرى " أن كل مكسب ينتزع من الاحتلال هو مسمار جديد في نعشه".
اسلوب إسرائيل في انتقاء أهدافها، لا يبنى فقط على الاقتصاص والانتقام، لكنه يتطلع إلى ما يمكن أن يشكله المستَهدف مستقبلاً بالنظر إلى خبرته الثورية، وقدراته التنظيمية، ثم إبداعاته النضالية.
لقد قيل أنه لولا أبو جهاد لتأخرت الانطلاقة وقيل أيضا أن لأبو جهاد واقع السحر والمعرفة والأداء داخل أطر حركة فتح وخارجها وقيل أيضا أنه لولا وجود شخصية أبو جهاد في اللجنة المركزية وحركة النضال الوطني الفلسطيني لما كان لحركة فتح من إنجاز وتقدم منذ التحضير للانطلاقة إلى يوم استشهاده ،
هذه الشخصية التي فقدتها حركة فتح وفقدتها الشعوب الحرة ، فلقد كان لعملية اغتيال أبو جهاد لغة الرد على ما قاله هذا البطل القائد ،
كان أمير الشهداء رحمه الله صاحب مدرسة التمترس في خندق الثوابت يؤكد دوما على مبادئ ثابتة : تحرير فلسطين، الكفاح المسلح , الاستقلالية التنظيمية عن اى نظام وتنظيم عربي .
فطوبى لك يا أمير الشهداء أبو جهاد ويا سيد الشهداء أبو عمار ويا قادتنا جميعا في اللجنة المركزية الذين مضيتم على درب النضال والكفاح والتشبث بالحقوق الوطن